أختي المسلمة :
هل لديك مشاكل عجزت عن حلِّها؟
هل تشتكين من ضعف شخصيتك؟
هل تشعرين بالضعف أمام نجاح الأخريات؟
هل تريدين دليلاً يقودك نحو النجاح في حياتك؟
هل أنت طموحة لكنك لا تنتجين؟
هل تريدين أن يُحبَّك الجميع؟
إذا كان جوابك «نعم» على هذه الأسئلة أو معظمها فإنَّ هذا المقال يخصُّك كثيرًا.
وما عليك إلا أن تسلكي خطوات النجاح خطوةً بخطوة ليكتمل بناؤك الشخصي، وتواكبين بطموحاتك الناجحات مِمَّن وفَّقهنَّ الله سبحانه وتعالى للسَّير على طريق السعادة والنجاح.
إنَّ رسم الأهداف التي نريد تحقيقها، وانتقاء الأكثر أهمية لنا في حياتنا من تلك الأهداف، وتنظيم أوقاتنا وطاقاتنا، واستمرارنا على التخطيط لأعمالنا اليومية، وحُسن إدارة أعمالنا في الحياة، وتقويم ذواتنا وإنتاجاتنا، ومحاسبة أنفسنا بصراحة كلّ وقتٍ وحين، وفقهنا لحلِّ مشاكلنا في إدارة شئوننا، وفقه تعاملنا مع الآخرين، وعلوِّ همَّتنا في الحياة، وثباتنا على كلِّ هذه المبادئ - هي الخطوات التي ينبغي أن نرسمها في مسيرنا نحو النجاح والسعادة.
وهذا المقال، يُعرِّفك - أختي المسلمة – بتلك الخطوات، ويتناولها خطوةً خطوة وفق تصوُّرٍ إسلاميٍّ أصيل، نابعٌ من الكتاب والسُنة على فهم سلف هذه الأمَّة، ويحاول تسليط الأضواء على خطوات النجاح كما دلَّت عليها قواعد الدين وأصوله.
فهو يقودك أختاه نحو تكامل شخصيتك في الحياة، ويدلُّك على عناصر القوَّة في بناء شخصيةٍ إسلامية ناجحة.
فسيري على تلك الخطوات، والله يحفظك ونساء المسلمين من مخطّطات الأعداء وسهام السفهاء، ويجعلك نورًا تتبدَّد به ظُلَمُ الفساد في كلِّ البلاد والله من وراء القصد.
۞۞۞۞۞۞۞
خطوات النجاح في حياة المرأة المسلمة
الخطوة الأولى تحديد الهدف
أختي المسلمة :
لا بدَّ أن تُدركي أهمية هذه الخطوة في كلِّ حركةٍ تقومين بها في حياتك، وإدراكك لمدى أهمية هذه الخطوة، ثم ترجمة ذلك الإدراك إلى تنفيذٍ واقعيٍ عمليٍّ هو الذي يُؤهِّلك للانطلاقة السليمة نحو النجاح.
ولا بدَّ أن تعلمي أنَّ رسم الأهداف منهجٌ رباني، نهجه الأنبياء والمرسلون صلوات ربِّي وسلامه عليهم أجمعين، ولم يزل ينهجه الصالحون من الصحابة والتابعين، لأنه يقوِّي مبدأ الثبات والصبر والتحمُّل حين مواجهة العقبات في طريق النجاح.
وفي حياتنا تنقسم الأهداف إلى قسمين :
الأول هدف كلِّي ثابت.
الثاني هدف جزئي متغيِّر.
1- الهدف الكلي الثابت :
وهو هدفٌ فطريٌّ في أعماق النفس البشرية، وقد دلَّت عليه نصوص الوحي من الكتاب والسُنة، ودلَّت عليه العقول السليمة والفطر النقية الطاهرة ولتعلمي ذلك الهدف لا بدَّ أن تطرحي سؤالاً مباشرًا على نفسك.
لماذا خُلقت؟ ولماذا أموت؟ وماذا عن مصيري بعد الموت؟
وعلى قدر إجابتك على تلك الأسئلة تُحدِّدين هدفك من الوجود.
لقد خلقك الله - يا أَمَة الله – للعبادة، ولا شي غير العبادة قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات : 56].
وقال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينُ} [البينة : 5].
فتذكري – أختاه – أنَّ هدفك الأسمى في الحياة هو عبادة الله سبحانه، فهو الخالق الرازق، خلق الكون فأبدعه، وخلق الإنسان وصوَّره، وبثَّ آياته في الوجود؛ فليس في الكون شيءٌ إلاَّ ويدلُّ على وجوده وألوهيته {خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ} [آل عمران: 190، 191].
{أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ * فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ} [الغاشية: 17-21].
فغاية وجودك على هذه البسيطة هو تحقيق العبودية لله جلَّ وعلا، وذلك بالاستقامة على أمره واجتناب نهيه، وقد بيَّن القرآن الكريم هذا الهدف بخطابٍ صريحٍ في آيات كثيرة من ذلك قول الله تعالى :
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة : 21].
واعلمي أختاه أنَّ الرسل صلوات الله عليهم جميعًا، ما أُرسِلوا إلاَّ لهذا الهدف السامي يدلُّ على ذلك قول الله جلَّ وعلا :
{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء : 25].
وقوله سبحانه : {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل : 36].
وحينما تُحدِّدين هذا الهدف من الحياة، ينبغي أن تُدركي جيدًا أنَّ ذلك حقَّ الله سبحانه، نؤدِّيه إيمانًا بوجوده واعترافًا بنعمه وآلائه وحبًا فيه سبحانه وطمعًا في جنته وخوفًا من عذابه وعقابه فعن معاذ قال : كنت رديف النبي على حمارٍ فقال لي : «يا معاذ، أتدري ما حقُّ الله على العباد؟ وما حقُّ العباد على الله؟»
قلت : الله ورسوله أعلم.
قال : «حقُّ الله على العباد أن يعبدوه ولا يُشركوا به شيئًا، وحقُّ العباد على الله ألاَّ يُعذِّب من لا يُشرك به شيئًا».
قلت : أفلا أُبشِّر الناس؟
قال : «لا تُبشِّرهم فيتَّكلوا».
فعبادة الله في هذه الدنيا هدف المسلم وغايته الثابتة، لا تتبدَّل ولا تتغيَّر حتى الموت، أمَّا لماذا نموت؟ فلأنَّ الموت مُنعطِفٌ بين مرحلتَين من الوجود :
مرحلة الحياة الدنيوية التي نُختَبر فيها بالأعمال، ومرحلة الحياة الأخروية التي نُجازَى فيها عن تلك الأعمال، إنْ خيرًا فخير وإن شرًّا فشر.
يدلُّ على ذلك قول الله جلَّ وعلا :
{الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [الملك: 2].
وفي السُنة ما رُوي عن أنس عن رسول الله قال :
«يتبع الميت ثلاثة: أهله وماله وعمله، فيرجع اثنان ويبقى واحد : يرجع أهله وماله، ويبقى عمله».
فالدنيا دار ابتلاء والآخرة دار جزاء والموت فيصل بين الدارين
ولكن هناك سؤالٌ يتبادر إلى ذهن كثيرٍ من الناس وهو: كيف تكون حياتنا كلّها عبادة؟
وإنما يطرح هذا السؤال من أشكل عليه العلم بمعنى «العبادة» في الإسلام، فالعبادة عند الإطلاق تتضمَّن كلَّ عملٍ يُرضي الله جلَّ وعلا، سواء كان من الفرائض والواجبات أو من المستحبَّات أو العادات المباحة، لذلك عرَّفها العلماء بأنها : «اسم جامعٌ لكلِّ ما يُحِبُّه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة».
فالصلاة عبادة، والصيام عبادة، والزكاة عبادة، والحجُّ عبادة، والنوم أيضًا عبادة، والأكل والشرب كذلك عبادة، وكلُّ ما يقوم به الإنسان من أعمالٍ ظاهرةٍ أو باطنةٍ هو عبادة ما دام يُرضي الله جلَّ وعلا، يدلُّ على ذلك ما رُوي عن سعد بن أبي وقاص عن النبي قال : «إنك لن تُنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أثبتَ عليها، حتى اللقمة تجعلها في فِي امرأتك».
وقد كان السلف الصالح رضوان الله عليهم يتعبَّدون الله بكافة شئون حياتهم قال زيد الشامي: إنِّي لأحبُّ أن تكون لي نية في كلِّ شيءٍ حتى في الطعام والشراب.
وقال أيضًا: «انوِ في كلِّ شيءٍ تريد الخير منه، حتى خروجك إلى الكناسة».
• أختاه هل أدركتِ حقيقة العبادة في الحياة؟
إنها تشمل الحركات والأقوال والخاطر والأفكار، وتخصُّ جميع جزئيات الحياة وكلياتها وأنماطها وأشكالها، سواء في حال الجدِّ أو الهزل أو اليقظة أو النوم، أو العمل أو الراحة، كلها يمكن للإنسان المسلم أن يتعبَّد الله بها إذا حقَّق شروط العبادة كما يجب.
إنكِ متى حقَّقت العبادة في سلوكك كافة، فقد حقَّقت الهدف المنشود وبنيتِ للنجاح أساسه وقواعده وأركانه لكن هل تعلمين كيف تحققين ذلك؟
إنَّ تحقيق العبادة لا يمكن أن يتمَّ إلا بشرطين اثنين:
الأول أن تكون العبادة لله.
الثاني أن تكون على مراد الله.
أليس الله سبحانه وتعالى هو القائل : {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} [الملك : 2].
فإحسان العمل إنما يكون بموافقة الصواب فيه، وإخلاصه لله سبحانه وتعالى، يدلُّ على ذلك قول الله جلَّ وعلا: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف : 110].
ومن السُنة ما رُوي عن أمِّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله : «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد».
أختي المسلمة :
لكي تكوني شخصيةً هادفةً في الحياة، بعيدة النظر في تناول القضايا والأحداث، حكيمة التصرُّف في تحديد المواقف والآراء، قوية المبدأ في التعامل مع تطوُّرات الحياة ومشاكلها لكي تكوني كذلك لا بدَّ أن تستحضري في كلِّ صغيرةٍ وكبيرةٍ في حياتك هذا الهدف الكبير الذي يرسم لك طبيعة الأشياء على حقيقتها: طبيعة الوجود، وطبيعة الكون، وطبيعة المخلوقات، وطبيعة نفسك، وصفات الخالق لكلِّ هذا المحيط الفسيح من حولك، وطبيعة العلاقة التي ينبغي أن تربطك مع خالقك سبحانه ومع مفردات المخلوقات من حولك.
إنَّ خطوة تحديد الهدف الكلِّي الثابت في الحياة شرطٌ للنجاح، ليس النجاح في الدنيا فقط، وإنما النجاح في الآخرة أيضًا ومتى فُقد ذلك الشرط فُقد جنس النجاح في الدنيا والآخرة، وحتى لو نجح الإنسان في تحصيل متاع الدنيا فإنَّ نجاحه خسارة في حقيقتها، قال تعالى : {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر : 1-3].
2- الهدف الجزئي المتغير :
فإذا انتهت من تحديد الهدف الثابت فاعلمي أنَّ جميع الأهداف في الحياة - سواء كانت طموحات مادية أو تطلعات علمية أو غايات شخصية - كلُّها تندرج تحت الهدف الأم، وهو العبادة.
فأهدافك مهما تشكَّلت وتنوَّعت، فهي في النهاية يجب أن تنضوي تحت ظلال عبودية الله سبحانه، ومن هنا نستخلص قاعدة مهمة في رسم أهدافنا في الحياة : «شرعية الهدف شرط في التعبد»
فكلُّ هدف لا يُحبُّه الله ولا يرضاه، لا نُحدِّده ولا نرسمه، بل نلغيه من برامجنا مهما كانت نتائجه ومحصوله؛ ذلك لأنه يصطدم مع مبدأنا في الحياة وهدفنا في الوجود، ويناقض غايتنا التي خُلقنا من أجلها، وعليها مدار سعادتنا ونجاحنا في الدارين.
لا بدَّ أن تكوني أختاه صارمة في تحديد أهدافك، وكلَّما أصبتِ في تحديد الهدف الشرعي وأخلصت في ذلك لله فقد أصبت مرَّتين :
• مرَّة في الهدف الدنيوي القريب.
• ومرَّة في الهدف الأسمى، وهو «عبادة الله».
فتأمَّلي في هذا الكلام؛ فإنه أنفس ما ينبغي حفظه في طريق الحياة الناجحة.
والأهداف الجزئية في الحياة، متنوِّعة وكثيرة، تختلف بحسب الطاقات والهمم، وكيفما كان طبيعة عملك فلا بدَّ أن تأخذي خطوة تحديد الهدف كأول خطوة واجبة، فمثلاً: إذا كانت طالبة في بداية العمل الدراسي، أو حتى خلال العام الدراسي، فلا بدَّ أن تطرحي على نفسك سؤالاً مباشرًا وصريحًا: لماذا أدرس؟!
وبعد ذلك لا بدَّ أن تجيبي على ذلك السؤال بصدقٍ وصراحة؛ فإنَّ العقل السليم أنما يدلُّ على أنَّ الهدف من الدراسة هو طلب العلم وتحصيله، فهدفك إذًن هو اكتساب العلم وحفظه، فإن نويت بذلك الأجر والمثوبة فقد حقَّقت الخطوة الأولى على طريق النجاح فعلاً ويلزمك بقية الخطوات.
وإن كنت ربَّة بيت، فاطرحي سؤالاً صريحًا لتحديد الهدف:
لماذا تزوجت وأنجبت وما دوري في البيت؟
ولا يجهل أحدٌ أنَّ هدف المرأة في بيتها هو خدمته وصيانته، خدمته : بطاعة الزوج وحفظه وخدمته، وتربية الأبناء وإرشادهم، وصون البيت من الشرور بترك المعاصي والمحرَّمات وحفظ الزوج في غيبته وكلَّما استحضرت المرأة هدفها من العشرة الزوجية، كلَّما كانت أنشط للقيام بدورها في بيتها.
وهكذا في كلِّ مجالات الحياة، سواء في التجارة أو الإدارة أو غيرها من الأعمال، لا بدَّ من خطوة تحديد الهدف وتأطيره بدقَّة وحكمة ليسهل الإنجاز ويزول الإعجاز، وتتَّضح معالم الطريق نحو الغاية المنشودة؛ فتحديد الهدف شرطٌ في مسيرة النجاح، لا بدَّ من إنجازه قبل المسير.
ولَمَّا كانت الأهداف متفاوتة في قيمتها ووزنها، كان لزامًا علينا أن نلتفت إلى هذا التفاوت، فنخطو خطوة ثانية نحو تحسين الهدف وانتقائه، فما هي هذه الخطوة؟
۞۞۞۞۞۞۞
الخطوة الثانية الأهم قبل المهم
والانطلاق في هذه الخطوة يتمُّ بعد الإيمان بتفاوت الأهداف في الحياة، وتغايرها من حيث وجوبها واستحبابها وجوازها.
فهناك أهداف واجبة وأهداف مستحبَّة وأخرى جائزة.
ومراعاة تقديم الواجب على المستحبِّ والمستحبِّ على الجائز خطوةٌ مهمةٌ نحو تحقيق نجاحٍ أضمن وأفضل.
لذلك – أختي المسلمة – لا بدَّ أن تضعي ما افترضه الله عليك وأَوجَبه نصب عينيك طوال حياتك؛ لأنه أهم من سواه مهما كان نتاجه الدنيوي، فبرنامجك اليومي لا ينبغي أن تغفلي فيه عن أداء حقوق الله كاملة وكما بيَّن سبحانه وتعالى فمثلاً: الصلوات الخمس وبرّ الوالدين وصلة الرحم، واجبات ثابتة لا بدَّ من جعلها أهدافًا واجبة الإنجاز دون تأخير.
فليس ثَمَّة هدف يسبق القيام إلى الصلاة، وليس ثَمَّة أمر يسوغ عقوق الوالدين أو قطع الرحم ويدلُّ على أهمية هذه الخطوة ما رُوي عن أبي هريرة أنه قال :
قال رسول الله : «إنَّ الله تعالى قال: من عادى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب، وما تقرَّب إليّ عبدي بشيءٍ أحبّ إليّ مِمّا افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرَّب إليّ بالنوافل حتى أحبَّه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها، وإن سألني أعطيته، ولئن استعاذني لأعيذنَّه».
فأداء الفرائض أحبُّ إلى الله تعالى؛ لأنه هو الأصل والأساس؛ إذ يوافق الهدف الأسمى في الحياة في أجلى صوره، وأما غير الفرائض والواجبات فهو كالفرع للأصل، لذلك فمرتبته تأتي بعد التأسيس والتأصيل بإنجاز الأهم.
أختاه
ولَمَّا كانت خطوة «الأهم قبل المهم» قاعدة في دِين الله سبحانه، كان عليك أن تجعليها أصلاً مبدئيًّا في الطريق إلى النجاح، فترتيب أوراق العمل وفق تلك الخطوة يُوفِّر عليك مهام كثيرة، ويجعلك أكثر استثمارًا للوقت والطاقة.
فالطالبة الناجحة لا تقدِّم الاهتمام بالمواد الثانوية على المواد الرئيسة أبدًا، كما أنها لا تحضر المجالس التافهة على حساب مذاكرة علومها وإنجاز واجباتها.
والمرأة المسلمة في بيتها، إذا أرادات سلوك طريق النجاح في حياتها الزوجية، فإنها تجعل همها في إرضاء الله بطاعة زوجها وتربية أبنائها.
فخروجها إلى السوق لشراء الكماليات على حساب خدمة زوجها وتوجيه أبنائها تفريط في المسئولية، وخلطٌ غير مقبولٍ للأهداف.
واهتمام الفتاة الناضجة بمستجدَّات الموضة والأزياء على حساب سترها وعفافها خلطٌ خاطئ للأهداف، فالحجاب فرضٌ واجبٌ وهدفٌ ثابتٌ لا ينبغي زحزحته عن أهداف المرأة المسلمة في الحياة
وهكذا في كلِّ مجالٍ من مجالات الحياة، لا بد من الالتفات إلى مهمات الأمور وترتيبها بحسب نفعها وضرها، فيُقدَّم الأهم على المهم، ويُعمَل بالصالح ويُترك الطالح.
وهذا المبدأ تؤيِّده العقول السليمة والفطر النقية، ولم يزل عقلاء الناس من العلماء والحكماء ينتهجونه، بل لا يستغني عنه تاجر في تجارته ولا مديرٌ في إدارته ولا عاملٌ طامح ولا تلميذ فالح ولا أستاذ ناجح.
فضعي – أختاه – هذا المبدأ أمامك، وقدِّمي الواجبات والفرائض أولاً، فاجعليها في برنامج يومك ثابتة، ثم أعقبيها بما ترَينه أنفع وأصلح لدنياك، سواء كنتِ طالبة أو ربَّة بيت أو مُعلِّمة أو غير ذلك.
واعلمي أنَّ العشوائية في تحديد الأهداف سببٌ للفشل في نهاية المطاف؛ لأنَّ المقصود من العم الإنتاج ولا نتاج إلاَّ بتحديد الهدف، ولا يُحدَّد الهدف إلا بتصوُّر نفعه على الوجه الأكمل.
۞۞۞۞۞۞۞
الخطوة الثالثة التنظيم
لا بديل عن التنظيم إلاَّ الفوضى، والفوضى لا يمكن أبدًا أن تكون طريق النجاح، لذلك كان تنظيم الفكر والذات وتنظيم العمل والوقت أهم خطوة بعد تحديد الأهداف واختيار مهماتها، وحينما نتكلَّم عن التنظيم فإننا نعني بذلك ترتيب عناصر الإنتاج في الذات وخارج الذات.
فالمرأة المسلمة الناجحة لا تؤمن بالعشوائية في العمل، بل تُنظم أعمالها وترتب أوراقها وتحافظ على وقتها.
والتنظيم الناجح للأعمال يقوم على أساس الترابط الصحيح بين عنصرين:
العنصر الأول : الطاقة الذاتية.
العنصر الثاني : الطاقة الزمنية.
فالطاقة الذاتية : هي الجهد البشري الذي يبذله الإنسان لتحقيق أهدافه في الحياة.
والطاقة الزمنية : هي الزمن الذي نعيشه بساعاته ودقائقه وثوانيه.
ومتى أحسنت أختاه إتقان الربط بين طاقة الذات والوقت، فقد خطوت خطوةً بعيدةً في اتجاه النجاح، وأنت بذلك في أعلى مراتب عبادة الله سبحانه.
ومن هنا تظهر لنا أهمية الوقت، ودور التحكُّم فيه في صياغة عنصر النجاح.
ومن هنا ندرك أيضًا أنَّ تحقيق الأهداف المرسومة لا بدَّ فيه من الربط بين هذين العنصرين، وإنما يقوي حافز الربط بينهما عنصر علمي هام وهو :
«الإيمان بأهمية الوقت»
فوقت المرأة المسلمة أمانة في عنقها، ومسئولية تُحاسَب عليها يوم القيامة، فلا ينبغي تضييعه في سفاسف الأمور التي ليس وراءها نفع ولا نتاج يدلُّ على ذلك ما رُوي عن أبي برزة نضله بن عبيد الأسلمي قال: قال رسول الله :
«لا تزول قدما عبدٍ حتى يُسأل عن عمره فيما أفناه، وعن علمه فيما فعل فيه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيما أبلاه».
فالزمن الذي نعيشه هو مجال إنجازاتنا، سواء فيما يتعلَّق بنتاج الدنيا أو ثواب الآخرة، فهو نعمة وفرصة لكلِّ مريدٍ للنجاح إذا أحسن استغلاله وأحكم تدبيره.
فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال:
قال رسول الله : «نعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس: الصحة والفراغ».
فهذا الحديث جمع أصلين لا بدَّ منهما في تنظيم الأعمال : عنصر الصحَّة، وهو متعلِّقٌ بالذات، وعنصر الوقت، وهو خارج عن الذات.
فدل ذلك على أنَّ حُسن الاستفادة من القدرات الذاتية وحُسن الاستفادة من الوقت خطوة جبارة نحو الفلاح في الدارين فتأملي!
وقد كان السلف - رضوان الله عليهم - حريصين على أوقاتهم، فهذا الخطيب البغدادي – أحد السلف – كان لا يُرى إلا وكتابٌ في يده يطَّلع عليه أو يراجعه.
وهذا أبو الوفاء بن عقيل الحنبلي رحمه الله يقول :
وأنا أبذل غاية جهدي لكي أكسب الأوقات حتى جعلت أكلي أن أسفَّ الكعك وأن أتحسَّ عليه الماء لأنَّ ذلك أسهل علي، وأحفظ عليَّ في الوقت، من أن آكل لينًا فأمضغه!
وهذا ابن الجوزي يقول :
يحرجني بعض الزوار، فيأتوني فيضيعون عليّ الوقت والعمر، لكني فطنت لهم، فأعددت لهم الكاغد، فإذا جاءوا أعطيت كلَّ واحد منهم لغَّه، حتى إذا مضوا كان لديَّ شيء أستطيع أن أكتب به وعليه فقرة طويلة، فكأن الوقت ما مضى وما ضاع مع هؤلاء الزوار.
أختاه
هناك «86400» ثانية في اليوم الواحد، وهناك من الناس من يكفيه هذا الوقت لإنجاز أعمال ضخمة وإدارة مؤسسات جبارة، وربما تدبير شئون دولة بأكملها، بينما قد لا يستطيع أحدنا القيام بأبسط المهمات وأسهلها، رغم أنَّ المجال الزمني واحد!
فهذا سؤال مطروح أمامنا :
لِماذا نعجز عن النجاح وينجح غيرنا في استثمار وقته وطاقته؟
اعلمي يا أخية أنَّ السر في ذلك هو الإصابة والإتقان في تنظيم الوقت واستغلال الجهد، فلا بدَّ من رسم أهداف أوَّلية، ولا بد أيضًا من تأطير تلك الأهداف ووضعها في مجالها الزمني المناسب، دون استجابة للعواطف أو انهزام أمام الآخرين
إنها نعمة في الدنيا ومسئولية نُحاسَب عليها، فلم التباطؤ في إنجازها؟!
ولكن كيف ننظِّم أوقاتنا؟ وما هي ثمرة ذلك؟
۞۞۞۞۞۞۞
منهجية تنظيم الوقت
فمادة الوقت هو الزمن الذي نعيشه من أعمارنا بساعاته ودقائقه وثوانيه، والمنهج الناجح في تنظيمه هو تحديد الأعمال في ساعاتها ودقائقها وثوانيها المناسبة.، والتمييز في ذلك بين ما هو ثابت وما هو متغيِّر.
ولقد سبق أن بيَّنا أنَّ الأولوية في الأعمال شرطٌ للنجاح، وأنَّ أهدافنا في الحياة كلَّها عبادة، ولازم هذَين الشرطين هو أن نجعل من وقتنا عبادةً لله جلَّ وعلا، وأن نُقدِّم الفرائض والواجبات التي أمرنا الله سبحانه بأدائها، وأن نجعل أوقاتها ثابتة لا تقبل التغيير ولا يحلُّ فيها التبديل ومن هذا المنطلق نبدأ في تنظيم أوقاتنا وتحديد مجالات إنجازاتنا.
وفيما يلي اقترح عليك منهجية لتنظيم الوقت :
1- اعتبار أوقات العبادة - كالصلاة والأذكار والنوافل – ثابتة، قال تعالى : {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء : 103].
ولأنَّ في القيام بهذه العبادة على الوجه الصحيح تقوية للعزم وتثبيت للقلب وتبصير للذهن على تحقيق المراد.
2- تخصيص مدَّة زمنية معيَّنة للمهام المطلوب إنجازها بحسب موقع المرأة في الحياة، فإذا كانت ربَّة بيت فرَّغَتْ نفسها لاحتياجات البيت، وأعطت من وقتها لأبنائها بالتربية والتوجيه، وعملت على تنفيذ أوامر زوجها بالشكل المطلوب في المجال الزمني الذي تحدِّده مسبقًا.
وإذا كانت طالبة في المدرسة أو الجامعة أو غيرها قسَّمت وقتها أيضًا إلى مجالات زمنية بحسب مهامها المطلوبة، فوقتٌ للمذاكرة، ووقتٌ للمطالعة، ووقتٌ لمساعدة الوالدة على أشغال البيت، ووقتٌ لتفقُّد أحوال الأسرة وهكذا تمرُّ أوقاتها وفق جدولٍ زمنيٍّ محدَّد.
3- اجتناب أسباب ضياع الوقت، واتخاذ القرار الصارم في تجاوز كلِّ ما يعيق عملية التنظيم المسبق ولا ينبغي التساهُل في السماح للآخرين بهدر أوقاتنا؛ لأن ذلك سيُفقِدنا السيطرة على ذواتنا، وسيجعلنا بعواطفنا في اتجاه الفشل فلا بدَّ من الثقة بالنفس أثناء تنفيذ مخطّطاتنا وإلا فسوف تبقَى حبرًا على ورق.
أختي المسلمة
وخطوة التنظيم هذه هي خطوة نظرية تحتاج إلى ترجمة مفرداتها في الواقع المحسوس في الحياة، فكيف نُجسِّد تنظيم طاقاتنا وأوقاتنا على أرض الواقع؟ وكيف نتخلَّص من معوِّقات تنفيذ ما نقوم بإنجازه بعد التنظيم؟
إنها الخطوة الرابعة وهي التخطيط اليومي المحكم.
۞۞۞۞۞۞۞
الخطوة الرابعة التخطيط اليومي
في الخطوات الثلاث السابقة كنا نتحدَّث عن الجانب النظري من خطوات النجاح في حياة المرأة المسلمة، فعملية تحديد الأهداف وانتقائها وتنظيم الجهد والوقت كلّها خطوات سابقة لعملية التنفيذ الفعلي، وأمَّا خطوة «التخطيط اليومي المحكم» فهي مزج بين عنصري التنظير والتطبيق
ومكانة التخطيط اليومي في حياة المرأة المسلمة مكانة عظيمة مهمة، ولها ثمار كبيرة الفائدة في صياغة نسيج السعادة في الحياة، ذلك لأنَّ الفراغ سمٌّ قاتل يسيح بالعقول في فضاءات ومتاهات لا حدود لها، ويوقع في شباك فتاكة بالمرأة المسلمة، ويحدث في النفس الوساوس والهواجس، ويضعف قوَّة الإرادة وصلابة العزيمة في القلوب، ويعوِّد الكسل، ويُكرِّه للنفس العمل والاجتهاد، وكلُّها عوامل تُضعِف بشخصية المرأة المسلمة، وتلغي دورها العظيم في الحياة والمجتمع من هنا تظهر أهمية التخطيط اليومي في الحياة.
1- معنى التخطيط اليومي :
هو حصر الأعمال التي نُريد إنجازها في اليوم الواحد وتقسيمها على عدد ساعاته بدقَّةٍ وموضوعية أو بعبارة أخرى : هو وضع جدول زمني لليوم الذي نعيشه وتوزيع الأعمال المطلوبة على عناصر ذلك الجدول.
وإليك أختاه نموذجًا حيًّا للتخطيط اليومي.
نموذج للتخطيط اليومي :
5 صباحًا : صلاة الصبح مع أذكار الصباح.معدل ساعة أو نحوها حسب الاستطاعة.
6 صباحًا : المذاكرة بالنسبة للطالبة وغيرها، أو مساعدة الوالدة في المطبخ، أو تحضير الفطور أو خدمة الزوج والأولاد لاستئناف مهامهم.معدل ساعة تقريبًا
7 صباحًا : تناول الفطور مع الأسرة30 دقيقة
7.30 صباحًا : توزيع أعمال الصباح حسب موقع المرأة، فإن كانت طالبة توجَّهت إلى المدرسة أو الجامعة، وإن كانت ربَّة بيت وزَّعت أعمالها بين خِدمة البيت، والاعتناء بأبنائها، وما بقي من وقتها جعلته للمطالعة والحفظ وسماع الأشرطة المفيدة حسب ميولها العلمي وقدرتها على التحصيل، ويُستحسن لها حضور حلقات التحفيظ والعلم ما لم يتعارض ذلك مع طاعة الزوج.ومعدل ذلك 5 ساعات
12.30 ظهرًا : صلاة الظهر مع الأذكار30 دقيقة
تناول الغذاء، وأخذ قسط من الراحة حسب الرغبة.معدل 3 ساعات على الأكثر
4 عصرًا : أداء صلاة العصر مع الأذكار:
وبالنسبة للطالبة العناية بواجباتها المدرسية والجامعية أولاً بأول، وعدم إهمالها واحتساب الأجر في ذلك.
وبالنسبة لربَّة البيت : يُستحسن حضور حلقات تحفيظ القرآن أو بعض الدروس والمحاضرات المفيدة، أو تعلم الأشياء المفيدة في الحياة كالخياطة وغيرها، أو زيارة هادفة للأقرباء والأخوات.معدل ساعة
7 مساءً : العودة إلى البيت وأداء صلاة المغرب والاهتمام بأمور الزوج والأبناء، وإذا كانت المرأة طالبة يُستحسن الإكثار من المطالعة أو خدمة البيت والإخوان ومساعدة الوالدة في أعمالها.معدل ساعة
9 مساءً : أداء صلاة العشاء (حسب توقيتها)، وتناول العشاء، ثم تفقُّد أحوال الزوج والأبناء والانصراف للنوممعدل ساعة
9.15 : مساءً قبل النوم – يُستحسن وضع تخطيط لجدول الغد ورسم الأهداف المراد إنجازها ومحاسبة النفس على مدى تطبيق المخطط اليومي، واكتشاف مواضع الضعف والقوة بتقويم الذات والعلم.
ويستحب اقتطاع جزء من الليل للقيام وتلاوة القرآن والاستغفار والدعاء – حسب الجهد – فإنه من أعظم أسباب النجاح بمعدل 15 دقيقة أو 30 دقيقة
2- ثمرات التخطيط اليومي :
إنَّ وضع برنامج ثابت لأعمالنا اليومية له فوائد كبيرة في حياتنا، من تلك الفوائد :
ا- إنه يساعدنا على أداء ما افترضه الله علينا كما يجب.
ب- إننا نحافظ على أوقاتنا فلا نضيعها هدرًا.
جـ- أننا نُحقِّق نتائج أفضل على مستوى تنفيذ مسئولياتنا الدينية والتربوية والعلمية.
د- أننا نُقلِّل من أخطائنا التي تُفرزها حالة الفوضى والعشوائية في إنجاز مهماتنا.
هـ- إننا نقوم بأعمالنا بسرعةٍ ويُسرٍ وسهولة، لأننا لا ندع تراكم المهام على كاهلنا.
و- نُوفِّر راحة لأجسادنا ونفوسنا.
ز- نُحسِّن نوعية أعمالنا بتقويم نتائجها كلّ يوم، فنستمرُّ على ما ينفع ونترك ما لا جدوى منه.
ح- نكون أبناء يومنا، ونتدرَّج في تجاوز العقبات في طريقنا، لاسيَّما الفراغ الرّوحي والنفسي؛ فإن أخطر سلاح لمعالجة هموم الفراغ هو إشغال النفس بما ينفعها في الدنيا والآخرة.
أختاه إنَّ هذه الخطوات الأربع في حياتك معالم هادية إلى تحقيق السعادة والنجاح، فلا بدَّ من الاهتداء بها في الحياة، ولا بدَّ لك أيضًا من إتقان عملية التنفيذ وإدارة العمل، بالثقة بالنفس والصمود والمحاولة وتجاوز العوائق والعقبات أمام إنجاز ما تضيِّعينه من المهام، فكيف تكون عملية التنفيذ؟
وكيف نستطيع إدارة مخططنا اليومي بنجاح؟
هذه هي الخطوة الخامسة.
۞۞۞۞۞۞۞
الخطوة الخامسة إدارة العمل
ونعني بإدارة العمل، فنية تنفيذ بنود المخطط اليومي، وتحري الدقة والانضباط في مزاولة عناصر البرنامج المرسوم لأعمال اليوم كله توجد تلك الفنية وذاك التحري لا بد من اتباع النقاط التالية :
1- الاستعانة بالله جلَّ وعلا :
أختاه
تذكرَّي أنك مؤمنة بالله، وأنك أحوج إلى الله وعونه في كلِّ صغيرةٍ وكبيرةٍ في الحياة قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [فاطر: 15].
فأظهري لله فقرك وضعفك، واجمعي قلبك على الإنابة إليه والتوكُّل عليه وطلب التوفيق والسداد منه قال سبحانه: {وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود : 88].
وقال جلَّ وعلا : {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق : 3].
ومعنى «حسبه» أي كافيه عن كلِّ الأمور.
وقال تعالى : {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ}
[آل عمران : 159].
وقال جلَّ وعلا : {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُون} [الأنفال : 2].
وقال سبحانه {وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}
[إبراهيم : 11].
فقبل البدء بعملية تنفيذ أعمالك لا بد أن تستحضري توكُّلك على الله في كافة أمورك سائر اليوم، فهذا من أعظم الأسباب على نجاح أعمالك وأدائك لواجباتك اليومية، ولقد كان من دعاء رسول الله : «اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكَّلت وإليك أنبت وبك خاصمت، اللهم إني أعوذ بعزَّتك، لا إله إلا أنت أن تضلَّني، أنت الحيُّ الذي لا يموت، والجنُّ والإنس يموتون».
2- التدرُّج في العمل :
والتدرُّج سُنةٌ في الحياة، لا بدَّ من الأخذ بها في كلِّ شيء، لكن ليس معنى ذلك الخلود إلى الكسل وتوهُّم الاعتذارات الواهية عن أداء المهمَّات، فلا بدَّ من تعويد النفس على العمل والتعود على إنجاز مهمات الأمور، واستصغار الأهداف الكبيرة للتوازي معه مستوى الجهد الذي نستطيعه ونداوم على القيام به.
فهنا مسألتان :
الأولى مسألة الطموح، والثانية مسألة الموازنة بين الجهد والهدف.
فلا بدَّ أن تكون أهدافنا على قدر جهدنا الذي نستطيعه، وهذا ما يجعلنا نُجزِّئ الطموحات الكبيرة إلى أهداف جزئيَّة، ونتدرَّج في تنفيذها يومًا بعد يوم، فإذا لم نستطع مثلاً قراءة كتابَين في اليوم كان من المقرَّر قراءتهما، فلنقرأ كتابًا واحدًا فقط.
وهكذا إذا لم نستطع حفظ صفحتين من القرآن، فلنحفظ صفحة واحدة، أو نصف صفحة، أو أقلّ من ذلك، حسب القدرات المتاحة لنا، وهكذا في الكتابة والعمل والتجارة وكلّ إنجازاتنا المقرَّرة في حياتنا.
3- ترويض النفس على الالتزام بالتنفيذ :
وعملية «الترويض» هي مغالبة النفس على تجاوز عاداتها السيئة في العمل، ومحاولة محو العادات التي تُعيق سير العمل وتنفيذ جدول الأعمال فإذا كان الغالب على النفس هو الميل إلى الراحة والكسل أو النوم، فلا بدَّ من اجتثات هذا الطبع وترويض النفس على النشاط، والعمل بالمجاهدة والمصابرة والصبر.
واعلمي أختاه أنَّ الإخلاص لله في مجاهدة النفس لنَيل الأغراض الشريفة وتحقيق الأهداف الشرعية له الأثر الكبير في التوفيق، يدلُّ على ذلك قول الله جلَّ وعلا: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69].
فتكرار محاولاتك لإنجاز أعمالك - سواء كانت عملية أو مادية أو اجتماعية - هو مجاهدةٌ في حدِّ ذاته، وإصرارك على اتِّخاذ الأسباب للوصول إلى طموحك وتحقيق أمانيك النبيلة هو جهاد يأجر الله عليه، ويُوفِّقك إليه.
فحتَّى لو فشلت مرَّةً ومرَّتَين وثلاث في تنفيذ مخطِّطك اليومي، لا ينبغي لك أبدًا الاستسلام للفوضى؛ فإن ذلك يأسٌ وقنوطٌ وطريقٌ لا نجاح معه، وإنما يكفي أن تتخلَّصي من أسباب الفشل شيئًا فشيئًا؛ لأنَّ النفس تستثقل أعمال الخير وتكرهها قال رسول الله : «حُجِِبت النار بالشهوات وحُجِبَت الجنة بالمكاره».
وهنا مسألتان هامتان :
الأولى العمل : وطريقه الصبر والمجاهدة، ونتاجه النجاح والسعادة.
الثانية العجز : وطريقه الخمول والتقصير، ونتيجته فشل وهم وتعاسة.
فلا بدَّ إذن من دفع الضريبة : إمَّا ضريبة الصبر، أو ضريبة الذلِّ والفشل.
والعقول السليمة تنحو منحى الصبر والمجاهدة؛ لأنه أنسب لذوي الطموح والهمم العالية، ولأن نتائجه في أعمال الدنيا مشاهدة، وأجره في الآخرة أكبر قال تعالى : {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر : 10].
وكما أنَّ العلم بالتعلُّم والحلم بالتحلُّم فإنَّ الصبر بالتصبُّر؛ فقد قال : «ومن يتصبَّر يُصبِّره الله، وما أُعطِي أحدٌ عطاءً خيرًا وأوسع من الصبر».
أخية
فليكن عملك على وفق هذه المبادئ؛ فهي أركان التنفيذ والتطبيق، ولا يمكن للنجاح أن يتحقَّق إلا بها، واعلمي أنه لا بدَّ لك من التقصير في إدارة العمل، وإنما يُخلِّصك من ذلك التقصير خطوة سادسة مهمة وهي تقويم الذات والنتاج.
۞۞۞۞۞۞۞
الخطوة السادسة تقويم الذات والنتاج
وهذه الخطوة تُمكِّن الإنسان من كشف مواضع الخلل في ذاته وأعماله، وتوضِّح أسباب العجز في تنفيذ المخطَّط اليومي وإدارة العمل، وهي أسباب تعود إلى أمرَين:
الأول: أسباب ذاتية، تتعلَّق بالشخص نفسه.
الثاني: أسباب موضوعية، تتعلَّق بأشياء خارجة عن الذات، لكنَّ مردَّها إلى الذات نفسها.
أختي المسلمة :
ولكي تضمني عدم تكرار فشل مخططاتك اليومية لا بدَّ من وضع أسئلة مباشرة على نفسك تكون بمثابة اختبار تقويمي لصفاتك الذاتية اتجاه العمل، ويكون هذا الاختيار على النحو التالي :
1- هل أُقصِّر في أداء الصلاة في وقتها؟
2- هل أستثقل أداء الواجبات؟
3- هل أحتاج إلى من يُلاحقني لكي أعمل؟
4- هل أتعلَّق بالأشياء التي ينبغي تأجيلها؟
5- هل أسمح للآخرين بالتأثير علي في تنفيذ مخططي؟
6- هل أبدأ في التنفيذ بنشاط لكني لا أستمر؟
7- هل أنا دائمًا أعمل لكنني لا أنتج؟
8- هل عملية التنظيم تضايقني؟
9- هل أحتار في ترتيب أعمالي؟
10- هل أخصِّص وقتًا معينًا في اليوم لوضع المخطط اليومي؟
11- هل أخصِّص وقتًا معينًا لتقويم نتائج تنفيذ المخطط اليومي؟
ومن خلال الجواب على تلك الأسئلة بصدقٍ وصراحةٍ تعرفين طبيعة شخصيتك ويلزمك وقتئذ تحديد أسباب العجز الذاتي ومحاولة اجتناب الوقوع في الأخطاء نفسها مرَّةً أخرى.
وأمَّا الأسباب الموضوعية لفشل عملية التنفيذ فهي، وإن كانت خارجة عن الذات من حيث الصورة إلا أنها مرتبطة في العمق بالاختيار الذاتي، فالاجتماعات "البيزنطية" التي لا جدوى من ورائها والمجالس المطوَّلة التي يفرضها علينا الآخرون بزياراتهم وربما بمكالماتهم الهاتفية، من الأسباب الموضوعية التي تُعيق إدارة العمل، ولكن إذا تعاملنا بصرامة مع مثل هذه الحالات وعرفنا كيف نتخلَّص من سلبياتها بلباقةٍ وحكمةٍ فسوف نتجاوز أضرارها في المستقبل.
أختاه تأكَّدي أنَّ مثل هذا العمل الهادف ينفعك في الدنيا والآخرة، فهو يعوِّدك محاسبة النفس على أخطائها وتفريطها في جنب الله، ويُمكِّنك من الإنابة إلى الله سبحانه والتوبة النصوح وتدارك الأخطاء ومحوها بالاستغفار والندم والإقلاع، وكذلك يُسهِّل لك الطريق نحو إزالة العوائق والعقبات التي تقف في طريقك نحو النجاح.
لذا ينبغي ملازمة هذه الخطوة، وجعلها أساسية في يومك، وذلك بتخصيص ولو عشر دقائق لمزاولتها والقيام بها.
ولا بدَّ أنه ستعتريك مشاكل أثناء التقويم، وستجدين نفسك أمام خيارات صعبة لتنفيذ ما تريدينه من الأهداف، ولذا لا بدَّ من فقه خطوة سابقة تساعدك على تسهيل الأمور، وهي: «فقه حلِّ المشاكل».
۞۞۞۞۞۞۞
الخطوة السابعة فقه حلّ المشاكل
أختي المسلمة :
إنَّ عملية التقويم لمستوى العمل الذي تقومين به في حياتك تُظهر لك كثيرًا من المشاكل التي لا نأبه لها في الغالب، وتكون سببًا في فشلنا من حيث لا ندري ولا نحتسب، ولذا لا بدَّ أن تكوني على علمٍ جيدٍ بفهم طبيعة المشاكل التي تعترضك في أعمالك، ولا بدَّ أيضًا من فقهٍ صحيحٍ وسليمٍ لدراسة المشاكل وحلِّها.
وفيما يلي نعرض أهم المشاكل التي تعترضنا أثناء القيام بمهامنا، مع بيان كيفية التعامل الصحيح معها:
1- مشاكل نفسية :
وهي معوِّقات تفقد الثقة بالنفس، وتهضم طموحات الإنسان لتحوّلها إلى شهوات آنية سرعان ما تنقلب إلى أزمات نفسية واجتماعية، وتتلخَّص تلك المعوِّقات في ثلاثة أشياء:
الهوى.
الشيطان.
ضعف الإرادة.
وهذه الأمور الثلاثة مترابطة فيما بينها ترابطًا شديدًا.
• فالهوى :
هو وساوس تُمليها النفس الأمَّارة بالسوء، وخواطر تتجدَّد في النفس البشرية لأنها مجبولة على حبِّ الشهوات وتحقيقها، وإنما ابتلانا الله بذلك ليختبر إيماننا وقوة يقيننا، فمتى ما قوي الإيمان ومراقبة الله سبحانه، استطعنا أن نتغلَّب على أهوائنا وميولنا النفسية السلبية، وإنما يحصل ذلك بمجاهدة النفس والصبر كما سبق بيانه في الخطوة الخامسة.
قال الشاعر :
أَشَدّ الجهَاد جهَاد الهَوَى
ومَا أكْرَم المرْء إلاَّ التَّقِى
۞۞۞۞۞۞۞
• وأما الشيطان :
فهو عدوُّ الإنسان اللدود، لا يُحِبُّ له خيرًا، ولا يحمد له أجرًا، قال تعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا} [فاطر : 6].
فهو يعمل جهد الإمكان ليحبط أعمالنا وعباداتنا أيا كان نوعها ويظل يوسوس ويزين حتى يُفقدنا الصواب في أعمالنا؛ فإن لم يستطع أفقدنا الإخلاص، فصرنا نعمل العمل الصالح لكن لغير الله سبحانه، ونكسب المال الحلال لكن لأجل المباهاة والتفاخر، ونتعلَّم العلم النافع لكن للشهرة ولفت وجوه الناس إلينا!
لذا ينبغي الحذر من وساوسه وتضليله بالمداومة على الأذكار اليومية في الصباح والمساء والاستعانة بالله عليه والتعوُّذ منه عند الغضب والوسواس، وقراءة القرآن في الأوقات الفاضلة وقيام الليل وأداء النوافل والإكثار من الخيرات والقربات.
• ضعف الإرادة :
وسببه قلَّة اليقين وضعف الإيمان وغلبة تأثير الشهوات على النفس، وفقد الثقة بالذات حين القيام بالعمل.
وينبغي لك أختاه أن تكوني واثقةً من نفسك حين مزاولة أعمالك الصالحة سواء، كانت دنيوية أو أخروية، وأن تخلصي فيها لله سبحانه، وأن تستشعري فيها الأجر والمثوبة قال تعالى : {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران : 134].
وقال سبحانه : {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا} [المزمل : 20].
وإنما تقوى إرادتك على العمل بالسَّير قُدمًا نحو الإنجاز الصالح بصبرٍ ومجاهدةٍ ومن غير التفات إلى القاعدات من حولك؛ فإنك في جهاد في الله سبحانه، ومن جاهد في الله فإنَّ الله لا يُخيِّب أمله، قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}
[العنكبوت : 69].
أختي المسلمة :
تذكَّري أنك مهما غالبتِ نفسك ومهما جاهدتِ الشيطان ومهما حاربتِ الهوى والشهوات فإنك لا محالة ستقعين في شراك هذه الأربعة، فهذه مشكلة ليس لك منها مفر، وليس لمخلوقٍ منها مفر إلاَّ من عصمة الله جلَّ وعلا، لذا تذكَّري أنَّ الحل اللازم هو التوبة، فهي خُلق لا ينبغي إغفاله في حلِّ المشاكل النفسية، فأنت بشر، وأحكام البشرية جارية عليك من الغفلة والسهو والشهوة وغلبة الطبع، فلا بدَّ ستذنبين وستُشغَلين وستُفرِّطين، وإنما الحلّ الدائم والمخرج اللازم هو التوبة والاستغفار والنهوض من جديد لاستئناف المسير قال : «والذي نفسي بيده، لو لم تُذنبوا لذهب الله تعالى بكم، ولجاء بقوم يُذنِبون فيستغفرون الله تعالى فيغفر لهم».
فاذكري هذه الحلول، فإنها معالم وضَّاءة تُؤهِّلك لفقه المشاكل النفسية وإيجاد المخرج السليم منها وبالله التوفيق.
2- مشاكل سببها الآخرون :
ومعظم المشاكل التي يُسبِّبها الآخرون تكون سببًا في هدر أوقاتنا وإيقاعنا تحت سيطرتهم وبرامجهم الفوضوية؛ إذ لو كانوا نظاميين في حياتهم لَمَا سبَّبوا لنا أية مشكلة بزيارتهم أو مكالمتهم أو مجالستهم، لأنهم إذ ذاك يؤمنون بالعمل الهادف وحريصون على أوقاتهم كما يجب.
وأسباب تلك المشاكل تتلخَّص في التالي :
المجالس السلبية.
المكالمات الهاتفية الاستهلاكية.
الزيارات التي لا طائل من ورائها.
۞۞۞۞۞۞۞
• المجالس السلبية :
ويمكن تجاوز سلبياتها بأمرَين: إمَّا بالاعتذار عن حضورها، وإمَّا بتحويلها إلى مجالس هادفة نافعة بحيث تصبح جُزءًا من برامجنا وأهدافنا، ويلزمنا حينئذٍ أن نكون في مستوى السيطرة على تلك المجالس بحِكمَةٍٍ وأدب، وأن نُراعي فيها التماس الفائدة في مجالٍ زمنيٍّ ملائم يُناسب ترتيب أعمالنا الأخرى.
أختي المسلمة :
إنَّ مجالس النساء غالبًا ما يطغى عليها كثرة الكلام والهرج، وربما وُجِد في ذلك الكلام غيبةً ونميمةً وتفاخرًا وغيرها من شرور اللسان، أو ربما كانت هناك نقاشات لا تُسمن ولا تُغنِي من جوع، بل قد تُسبِّب صراعات وخصومات شخصية، لذا ينبغي انتقاء المجالس الطيبة التي يسودها الهدوء ويعمُّها الخير وتحضرها الملائكة وتكون حُجة لنا لا علينا يوم القيامة، قال : «ما جلس قومًا مجلسًا لم يذكروا الله، ولم يصلُّوا على نبيِّهم، إلاَّ كان مجلسهم عليهم ترةً يوم القيامة، إن شاء عفا عنهم وإن شاء غفر لهم».
• المكالمات الإستهلاكية :
وقد يُسبِّب الهاتف مشاكل في تنفيذ البرنامج اليومي، لذلك لا بدَّ من تقنين المكالمات وجعلها مُنظَّمة نافعة، فلا بأس بمكالمات صلة الرحم والسلام بين الصديقات والأخوات، لكن ينبغي ألاَّ يكون ذلك بعشوائية واستهلاك، فتطول المكالمات أكثر من اللازم، ونجد أنفسنا في آخر اليوم قد استهلكنا ثلاث ساعات أو أكثر نناقش مواضيع تافهة عبر سماعة الهاتف.
وعليك أختي المسلمة أن تكوني واعيةً بأهمية الوقت، لذا فاجعلي المكالمات في وقتٍ لا يتعارض مع مهمَّات الأمور، وحاولي أن تعتذري عن المكالمات التافهة بشيءٍ من الحكمة والذكاء مع التزام الصدق التام في ذلك
وإن كنت مِمَّن يُفاجأ بالمكالمات ولا يستطيع استحضار الأعذار فهيِّئي لائحة الأعذار في زمنٍ سابق واكتبيها على ورقة تُوضع جانب الهاتف لتضمني سلامة المكالمة.
• الزيارات :
ويمكن أيضًا تجاوز مضارها عن طريق استغلالها فيما يفيد وينفع، وأن نجعلها تحت سيطرتنا، ولا نسمح بأن تهدم ما نُحدِّده من برامج مقررة هذا إذا كانت الزيارات تتكرَّر من غير سبب، أمَّا الزيارات التي تتعلَّق بأسبابها المعقولة فلا بأس بها.
أختاه وحتى لا تكون طريق حلّ المشاكل التي تنهجينها مع الآخرين سببًا من نفورهم، لا بدَّ أن تنهجي خطوة ثامنة تُمكِّنك من كسب قلوب الناس ومودَّتهم إنها : «فقه التعامل الناجح».
۞۞۞۞۞۞۞
الخطوة الثامنة فقه التعامل الناجح
أو بعبارة أخرى «الخُلق الحسن»، فإنَّ التحلِّي بالأخلاق الفاضلة في التعامل مع الناس هو مفتاح قلوبهم، فقد جُبِلت النفوس على حبِّ من يُحسِن إليها.
قال الشاعر :
أَحْسِنْ إلَى النَّاسِ تَكْتَسِب قُلُوبُهُم
فَطَالَمَا اسْتَعْبدَ الإنْسَانَ إحْسَانُ
فالتعامل الحسن مع الناس عبادة تعبَّدنا الله جلَّ وعلا بها، فهي طريق النجاح في الدنيا والثواب في الآخرة قال الرسول : «إنَّ من خِيارِكُم أَحْسنُكُم خُلُقًا».
أختي المسلمة :
اعلمي أنَّ الإنسان اجتماعيٌّ بطبعه؛ فهو ما سُمِّي إنسانًا إلا لأنه "يأنس" بغيره، ولكي تكوني ناجحة في تعاملك مع الآخرين لا بدَّ من أن تًحسِني تصرفاتك ومعاملتك معهم ومن أهم ما ينبغي الحفاظ عليه في هذا الشأن.
1- انتقاء الكلام الطيب :
وهي أفضل وسيلة لكسب القلوب واستجلاب مودَّتها والتأثير عليها، قال تعالى: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران : 159].
وقال الرسول : «اتقوا النار ولو بشقِّ تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيبة».
وربَّ كلمة طيبة اهتدى بها من لم تنفع معه الدروس والمواعظ والحكم، وربَّ كلمة خبيثة نفَّرت قومًا فلم يلقوا للنصح بالاً وهكذا الأمر في كلِّ نواحي الحياة، سواء في البيع أو الشراء أو القضاء أو الاقتضاء أو السؤال أو الجواب، ففي كلِّ هذه النواحي وغيرها يكون للكلمة الطيبة وقعٌ عجيبٌ على نفوس المخاطَبين؛ فهي بمثابة العطاء أو أكثر، قال رسول الله : «وَالكلِمة الطَّيبَة صَدَقة».
2- طلاقة الوجه عند اللقاء :
وهو أسلوب تعبدنا الله به في معاملتنا كلَّها، قال تعالى : {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الحجر : 88].
ولا يخفى على أحدٍٍ ما لهذا الأسلوب من تأثيرٍ على النفوس وبهجتها وانشراحها، ولم يزل عقلاء الناس ينهجونه في معاملاتهم كسبًا لودِّ من يلتقون، أو طمعًا في عقد البيع معهم، أو غيرها من الأهداف الدنيوية.
لكنَّنا نتعبَّد بذلك ونتقرَّب به إلى الله، ونجزم أنَّ أثره في الدنيا حاصلٌ لا محالة؛ فحياتنا بكلِّ مفرداتها عبادةٌ لله سبحانه، كما بيَّنا ذلك في الخطوة الأولى من خطوات النجاح في الحياة.
فطلاقة الوجه خصلة عالية في إدارة استقبال الآخرين، ومعروف له أثره البليغ على النفوس قال رسول الله : «لا تُحَقِّرنَّ من المعروف شيئًا ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق».
3- تحسين طريقة التحدُّث مع الآخرين :
لأنَّ صفة الكلام تدلُّ على نُضج عقل المتحدِّث أو خفَّته، فمتى كان الكلام هادفًا بعيدًا عن التشدُّق والثرثرة وسفاسف الأمور كان ذلك دليلاً على حِكمة صاحبه وأناته وقوَّة شخصيته.
فعن أنس أنَّ النبي : «كان إذا تكلَّم بكلمة أعادها ثلاثًا حتى تُفهم عنه، وإذا أتى على قومٍ فسلَّم عليهم سلَّم عليهم ثلاثًا».
وعن عائشة رضي الله عنها قال : «كان كلام رسول الله كلامًا فصلاً، يفهمه كلُّ من يسمعه».
4- استشارة الآخرين في الأمور :
لاسيما القضايا الجماعية؛ فإن الاستشارة تقديرٌ لمن يُستشار واعترافٌ بنُضج عقله ومكانته، وفيها معنى التعاون على البرِّ والتقوى، والتماس الحكمة من الآخرين؛ فإنَّ "الحكمة ضالة المسلم، متى وجدها عمل بها" لذلك فقد وصف الله جلَّ وعلا المؤمنين فقال: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [الشورى : 38].
أي يتشاورون بينهم فيه، وقال سبحانه مخاطبًا نبيه : وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران : 159].
5- لباقة الوداع :
وهو خُلق طيب يغفل عنه الناس في معاملاتهم، فلا بدَّ من الاحتفاظ بطلاقة الوجه عند وداع الآخرين، ولا بدَّ من ختم اللقاء بسلوكٍ طيبٍ يترك انطباعًا مشرفًا في نفسية الزائر، فعن سالم بن عبد الله بن عمر أنَّ عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان يقول للرجل إذا أراد سفرًا: ادنُ مني حتى أودِّعك كما كان رسول الله يودِّعنا، فيقول: «استودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك».
وسواء كان الزائر مسافرًا أم مقيمًا فإنَّ الوداع الحسن جزءٌ من الكرم وحُسن الخلق، لا يمكن إلا أن يُؤثِّر في الآخرين ويكتسب ودَّهم
وعمومًا فإنَّ كلَّ سلوكٍ حسنٍ له أثره البليغ على نفوس الناس، لذلك فإنَّ خطوة «فقه التعامل» تكمن في تجسيد الأخلاق الإسلامية في كلِّ تعاملاتنا في الحياة، وهذا ما يجعلنا أكثر قبولاً لدى فئات المجتمع، ويساعدنا ذلك على نتاج أكثر في تحقيق أهدافنا وطموحاتنا المستقبلية.
فإذا انتهينا من هذه الخطوة فقد انتهينا من السَّير في خطوات النجاح المطلوب، ويلزمنا استئناف المسير لتحقيق أهداف أكثر فائدةً ونفعًا؛ إذ إنَّ الأصل هي المسارعة في الخير والتنافس فيه، ولا يمكن أن نستأنف المسير إلاَّ إذا انتبهنا إلى خطوة تاسعة وهي: «الهمة العالية».
۞۞۞۞۞۞۞
الخطوة التاسعة الهمَّة العالية
وتتفاوت الهمم بحسب تفاوت إيمان أصحابها، فكلَّما زاد إيمان المرء علت همَّته واستنارت بصيرته وتحرَّكت جوارحه للاستكثار من الفضل والخير، والنفوس ثلاثة : كلبية، وسبعية، وملكية.
• فالكلبية : تقنع بالعظم، والكسرة، والجيفة، والعذرة.
• والسبعية : لا تقنع بذلك، بل بقهر النفوس، تريد الاستعلاء عليها بالحقِّ والباطل.
• وأما الملكية : فقد ارتفعت عن ذلك، وشمرت إلى الرفيق الأعلى، فهمَّتها العلم والإيمان ومحبَّة الله تعالى والإنابة إليه والطمأنينة به والسكون إليه، وإيثار محبته ومرضاته، وإنما تأخذ من الدنيا ما تأخذ لتستعين به على الوصول إلى فاطرها وربِّها ووليّها، لا لتنقطع به عنه.
فالهمَّة العالية مبدأ الفلاح الأكبر، ودليل الإيمان الصادق، إذا كان صاحبها يبتغي بها فضل الله في الآخرة.
والنعيم الذي أعدَّه الله جلَّ وعلا للمؤمنين العاملين لجديرٌ بأن يشمر لنَيله ويعمل لتحصيله وكسبه قال تعالى: {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} [المطفّفين : 26].
أختاه فلتكن همَّتك عالية لنَيل ما عند الله من النعيم، وليكن هدفك أسمى من مكاسب الدنيا الفانية، ولتترفَّعي عن أقذارها وأوساخها.
فَإنَّمَا الدُّنيَا جِيفَةٌ مُسْتَحِيلَة
عَلَيْهَا كِلاَبٌ هَمُّهُنَّ اجْتِذَابُهَا
فَإنْ تَجْتَنِبهَا كُنْتَ سَلَمًا لأَهْلِهَا
وَإنْ تَجْتَذِبهَا نَافَسَتْكَ كِلاَبُهَا
ولذلك فإنَّ النفوس التي ترضى بهذه الجيفة إنما هي نفوس كلبيَّة لا هِمة لها، وإن كان ظاهرها علوّ همتها إلاَّ أنها في حقيقة أمرها دَنِيَّة الهمَّة، مهينة الهدف!
وليسعك – يا أختاه – ما عند الله من خيرٍ وفضل؛ فما عند الله خير وأبقى {وَلَلْآَخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى} [الضحى : 4].
واعلمي أنك متى ما علت همَّتك بطلب ما عند الله من الفضل، يسَّر الله لك أمر الدنيا، وأتتك وهي مرغمة، وأسعدك الله في الدارين.
ومع هذا فإنَّ ابتغاء الدار الآخرة والتشمير لذلك لا يتنافى مع الكسب الحلال والاستكثار من خير الدنيا إذا وثق المرء من نفسه بالشكر على النعم؛ فإن ابتغاء الحلال التماس لبركات الله في الأرض، يدلُّ على ذلك ما رواه أبو هريرة عن النبي قال: «بينا أيوب عليه السلام يغتسل عريانًا فخرَّ عليه رِجلُ جَرَادٍ من ذَهب، فجعل أيوب يحثي في ثوبه، فنَاداه ربُّه عزَّ وجل : يا أيوب، ألم أكن أغنيتك عمَّا ترى؟! قال : بلى وعزَّتك ولكن لا غنى بي عن بركتك».
فالهمَّة العالية مطلوبة لتحقيق العبادة في أسمى صورها، والاستكثار من خير الدنيا تبع لتلك الهمة وفرع عنها. والله من وراء القصد.
أختاه هذه هي خطوات النجاح، وتلك معالمها؛ فاثبتي على العمل بها، واجتهدي في التماس النجاح بتطبيقها وترجمتها إلى الواقع المحسوس، واعلمي أنَّ الثبات على المبدأ عنصر هام في القدرة على استئناف السير نحو النجاح فكيف يكون الثبات على المبدأ؟
۞۞۞۞۞۞۞
الخطوة العاشرة الثبات على المبدأ
أختي المسلمة :
هنالك كثيرٌ من الأخوات نجحن في حياتهنَّ لمدَّةٍ طويلةٍ من أعمارهن، لكن سرعان ما فقدن قدرتهنَّ على الحفاظ على إنجازاتهنَّ وما حققنه من سعادة في الحياة ترى ما سبب ذلك؟
إنَّ السبب في عدم القدرة على الاستمرار في السَّير على خطوات الفلاح هو التذبذُب في المبادئ، والارتياب في التصوُّر والفهم لطبيعة تلك الخطوات وأهدافها، لذا فإنَّ الثبات على الدِّين والفهم الصحيح للإسلام والحياة على نحو ما بيَّنا في الخطوة الأولى؛ يُعطي الأخت المسلمة طاقة دفع قصوى تستطيع من خلالها الحفاظ على مبادئها في الحياة.
أُختاه تذكَّري أنك على مع الله جلَّ وعلا، فقد عاهدتِهِ على العبادة والطاعة بفعل الأوامر واجتناب النواهي والاستكثار من الخير والمضيِّ قُدمًا في سبيل إرضائه سبحانه وتعالى، وكان عهدك هو إسلامك وإيمانك، وعاهدتِه على طاعة رسوله، واتباعه في كلِّ صغيرةٍ وكبيرة، وجعل قواعد الدين وأصوله نبراسًا لك في كلِّ حركةٍ تقومين بها في الحياة.
إنك لَمَّا شَهدتِ ألاَّ إله إلا الله وأنَّ محمدًا رسول الله، فقد شهدت على نفسك بذلك العهد، فاثبتي عليه، ولا تكوني كالتي قال الله جل وعلا فيها : {وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا} [النحل : 92].
ومعنى ذلك أنَّها مزَّقت غزلها من الصوف وغيره وفسخته ونقضته بعدما أجهدت نفسها في فتله وإحكامه، فإيَّاك أن تنقضي غزلك يا أَمَة الله.
وإيَّاك أن يغرَّك طول الأمل فتفقدي صبرك ومجاهدتك للهوى والشيطان وشهوات الدنيا والنفس الأمَّارة، فقد نهى الله جل وعلا ذلك فقال : {وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ} [الحديد : 16].
فاثبتي على الهدف الكبير في الحياة والغاية العظمى من وجودك، وهي عبادة الله وحده لا شريك له، ثم اثبتي على بقية أهدافك النبيلة والتي تضعينها نصب عينيك على أنها عبادات في الحياة، فلازمي الإصرار على إنفاذها والعمل من أجل تحقيقها، وسِيري على خطوات النجاح بعزمٍ وثباتٍ وصمودٍ ويقين، ولتكن همَّتك عالية في الاستكثار من الخير والاستزادة من التقوى والبر، وإياك والتفريط في عملك، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال لي رسول الله :«يا عبد الله، لا تكن مثل فلان، كان يقوم الليل فترك قيام الليل».
من وسائل الثبات :
1- الاستعانة بالله جلَّ وعلا والاستكثار من دعائه والتضرُّع إليه، لاسيما في الأوقات المرجوة، كالثلث الأخير من الليل وأدبار الصلوات وبين الأذان والإقامة.
2- الإخلاص لله جلَّ وعلا في الأعمال، وعقد النية على الطاعة والتقوى في كلِّ حال.
3- اجتناب محارم الله سبحانه وتعالى والقيام بما افترضه من الفرائض والواجبات.
4- تدبُّر القرآن الكريم وتلاوته وترتيله بخشوع وسكينة.
5- طلب العلم الشرعي؛ فإنَّ العلم نورٌ يُزيل غشاوة القلب ويُبصر العقل ويهدي إلى الحق.
6- محاسبة النفس وقبول النصيحة والاستماع إلى الموعظة.
7- مرافقة الخيِّرات من الصديقات والأخوات؛ فإنهن يرشدن إلى الخير ويعنَّ عليه.
8- ملازمة التوبة والاستغفار؛ فإنها تزيل الران الذي يطمس بصيرة القلب ويضع قسوته قال تعالى : {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور : 31].
۞۞۞۞۞۞۞
وفي الختام أختي المسلمة :
نسأل الله أن يُوفِّقنا للخير والهدى، وأن يرزقنا السداد والتقوى، وأن يجعلنا من الناجحين الفالحين في الدنيا والآخرة.