أخطاء يجب تجنبها في تربية الأطفال

أخطاء يجب تجنبها في تربية الأطفال

إن تربية الأطفال ليست عملية عشوائية سهلة يمارسها كل أحد دون علم أو دراية، وإنما هي عملية معقدة ذات معايير دقيقة ومنضبطة بالضوابط الشرعية، وقابلة للإجتهادات الشخصية والرؤى النفسية المبنية على تحقيق مصالح الأطفال وتنمية مداركهم وتوسيع أفقهم، ودرء المفاسد والشرور عنهم. 
ونظراً لأن هناك من يمارس عملية التربية بشكل نمطي جامد، من خلال تقليد الآباء، وتوارث الأجيال، فقد نتج عن ذلك كثير من الأخطاء في التربية، وتأثر بذلك الأبناء، حيث تولدت لديهم العديد من السلوكيات والعادات السلبية، التي تعاني منها الأسر والمجتمعات. 
وفي هذا الموضوع سوف نُشير إلى بعض تلك الأخطاء المهمة في عدة نقاط مع ذكر العلاج والتصحيح، والله الموفق والمعين. 
 
۞۞۞۞۞۞۞

أخطاء يجب تجنبها في تربية الأطفال


1- الإستهانة بقضية التربية

فبعض الآباء لا يولي تلك القضية أدنى اهتمام، وإنما يترك أبناءه هكذا ينشأون دون أدنى مسئولية، ويرى أن مسؤوليته لا تتعدى توفير المأكل والمشرب والملبس والمأوى، وينسى قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [بالتحريم: 6].
 
وقال علي بن أبي طالب : (علموهم وأدبوهم). وينسى كذلك قول : «كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فالإمام راعٍ ومسئول عن رعيته، والرجل في أهله راعٍ، ومسئول عن رعيته، والمرأة في بيت زوجها راعية ومسئولة عن رعيتها»(متفق عليه). 
قال أحمد شوقي: 
فرب صغير قومٍ علموه
سما وحمى المسومة العرابا 
وكان لقومه نفعاً وفخراً 
ولو تركوه كان أذى وعابا
فعلِّمَ ما استطعت لعلّ جيلاً 
سيأتي يُحدث العجبَ العُجابا

وقال ابن القيم رحمه الله: (فمن أهمل تعليم ولده ما ينفعه، وتركه سدًى، فقد أساء إليه غاية الإساءة، وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء وإهمالهم لهم وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه، فأضاعوهم صغاراً، فلم ينتفعوا بأنفسهم، ولم ينفعوا آباءهم كباراً، كما عاتب بعضهم ولده على العقوق فقال: يا أبت! أنت عققتني صغيراً، فعققتك كبيراً، وأضعتني صغيراً، فأضعتك شيخاً). (تحفة المودود).
۞۞۞۞۞۞۞

2- هيمنة الآباء 

وهذا الخطأ هو ما يضاد الخطأ الأول، حيث يقوم الآباء هنا بدور المهيمن على كل تصرفات الأبناء بحيث يلغون شخصياتهم، ويصادرون آراءهم، ولا يرون فيهم سوى نماذج للطاعة العمياء، وهذا –بلا شك- يتسبب في سلبيات كثيرة منها: 
1- ضعف الشخصية وعدم الثقة بالنفس. 
2- الإصابة بالانطواء والخجل المرضي. 
3- ضعف القدرات الإبداعية. 
4- الفساد عند الكبر حيث يشعر الابنُ بزوال الأغلال التي كانت تُقيده، فيميل إلى الانفلات من كافة الضوابط ولو كانت صحيحة. 
5- الإصابة بالأمراض النفسية والجسمانية. 
إن التربية السليمة تؤيد إعطاء الأبناء جانبا كبيراً من الحرية فيما يتعلق بشئونهم الخاصة، من حيث اتخاذ القرارات، والتعبير عن الرغبات، وتحمل المسئوليات، بحيث يكون ذلك كله في إطار من السلوكيات السليمة والآداب الكريمة التي عمل الآباء على تأصيلها في نفوس أبنائهم. 
۞۞۞۞۞۞۞

3- تناقض القدوة

إن الوالدين هما أول من يؤثر في الطفل، ويكسبانه كثيراً من صفاته وعاداته، كما قال الشاعر: 
وينشأ ناشئ الفتيان منا 
على ما كان عوَّده أبوه
وما دان الفتى بحجًى ولكن
يعلمه التدين أقربوه

فإذا كان الوالدان على أخلاق طيبة وسيرة حسنة اكتسب الأبناء منهم بعض صفاتهم الإيجابية، وإذا كانا متناقضين بحيث يأمران بشيء ويفعلان شيئاً آخر، أثر ذلك سلباً على الأبناء. 
ومن التناقض: أن يأمر الوالد أبناءه بالصدق وهو يكذب، أو يأمرهم بالأمانة وهو يسرق، أو يأمرهم بالوفاء وهو يغدر، أو يأمرهم بالبر والصلة وهو عاق لوالديه، أو يأمرهم بالصلاة وهو تاركها , أو يأمرهم بعدم التدخين وهو يدخن، فهذا التناقض يُسقط هذا المربي من أعين الأبناء، ولا يجعل لكلامه أي قيمة، قال تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [البقرة: 44].
 
 
وقال الشاعر: 
يا أيها الرجل المعلم غيرَه
هلاَّ لنفسك كان ذا التعليمُ
تصف الدواء لذي السقام وذي الضنا
كيما يصح به وأنت سقيمُ
ونراك تصلح بالرشاد عقولنا
أبداً وأنت من الرشاد عديم
لا تنه عن خلقٍ وتأتي مثله
عارٌ عليك إذا فعلت عظيم
ابدأ بنفسك فانهها عن غيها
فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
فهناك يُقبل ما تقول ويقتدى
بالقوِل منك وينفع التعليم

۞۞۞۞۞۞۞

4- القسوة

إن الواجب على الآباء أن يعاملوا أبناءهم بالرحمة واللين والرأفة، وهذا هو هديُ النبي  في معاملة الصغار، فعن أبي هريرة  قال: قبل النبي  الحسن بن علي ، وعنده الأقرع بن حابس، فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبلتُ منهم أحداً، فنظر إليه رسول الله  فقال: «من لا يرحم لا يُرحم» [متفق عليه].

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قدم ناس من الأعراب على رسول الله  فقالوا: أتقبلون صبيانكم؟ فقال: «نعم» قالوا: لكنا والله ما نقبل، فقال رسول الله : «أو أملك إن كان الله نزع الرحمة من قلوبكم» (متفق عليه). 
إن القسوة والشدة في العقاب تنتج نماذج مضطربة التفكير، غير قادرة على قيادة أنفسها، فضلاً عن قيادة الآخرين. 
لقد ساد في الزمان الماضي أن القسوة وشدة الضرب هي التي تنمي القوة والشجاعة والرجولة لدى الأطفال، وتجعلهم قادرين على تحمل المسئولية، والاعتماد على الذات، وقد ثبت خطأ هذه التصور، لأن القسوة تترك آثاراً نفسية مؤلمة على الأطفال، وتدفع الأطفال إلى العناد والعدوانية، وتعيق وصولهم إلى مرحلة النضج العقلي، وتشعرهم دائماً بالدونية والإهانة وفقدان الكرامة. 
ولا يعني هذا أننا نمنع من العقاب على الإطلاق، بل ينبغي أن يكون هناك عقاب أحياناً , على ألا يتعدى هذا العقاب حدود الرحمة والرفق، كما قيل: 
فقسا ليزدجروا ومن يك حازما
فليقس أحياناً على من يرحمُ
۞۞۞۞۞۞۞

5- التساهل مع المنكرات

وكما أن القسوة مرفوضة، فإن التساهل مع المنكرات كذلك مرفوض، وهو من الأخطاء التي يقع فيها كثير من الآباء، وحجتهم في ذلك أن الطفل ما زال صغيراً، وأنه سوف يترك هذه المنكرات عندما يكبر، وهذا ليس صحيحاً، لأن من تعود شيئاً في صغره صعب عليه التخلص منه عند الكبر , قال ابن القيم رحمه الله: (وكم من أشقى ولده وفلذة كبده في الدنيا والآخرة، بإهماله، وترك تأديبه، وإعانته على شهوته، ويزعم أنه يكرمه وقد أهانه، وأنه يرحمه وقد ظلمه وحرمه، ففاته انتفاعه بولده، وفوت عليه حظه في الدنيا والآخرة. وإذا اعتبرت الفساد في الأولاد، رأيت عامته من قبل الآباء) (تحفة المودود). 
ومن أعظم أنواع التساهل مع الأبناء عدم حثهم على إقامة الصلاة والاهتمام بها، والنبي  يقول: «مروا أبناءكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع» (رواه أحمد وأبو داود وحسنه الألباني). 
فالأب الذي يذهب إلى المسجد ويترك أبناءه نائمين، أو يلعبون فإنه مخطئ، لقوله تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [طه: 132].
 
وعليه كذلك أن ينهاهم عن سماع الموسيقى والغناء، وينهاهم عن مشابهة الكفار في ملابسهم وعاداتهم، وينهاهم عن التعلق بالمشاهير، من يفسدون في الأرض ولا يصلحون، وليكن زاده في ذلك كله هو الرفق واللين والإقناع والحوار الهادئ والعلاقة الحميمة مع الأبناء.
۞۞۞۞۞۞۞
 

6- إهمال الواقع

ومن الأخطاء في التربية إهمال الواقع والجمود على النموذج القديم، وعدم التجديد بما يتلاءم مع متطلبات العصر، فيهتم المربي مثلاً بالسباحة والرماية وركوب الخيل، ويترك المهارات الأخرى التي يتطلبها العصر، كعلوم الحاسب الآلي (الكمبيوتر) وتعليم اللغات الأجنبية، والتدريب على مهارات الإلقاء والخطابة والكتابة، وإتقان إحدى ألعاب الدفاع عن النفس الحديثة وغير ذلك، مما يتسبب في تخلف هؤلاء – الذين لم يهتم مربوهم بتطوير قدراتهم – عن أقرانهم، فيؤدي ذلك إلى شعورهم بالنقص، وانعزالهم عن أقرانهم الذين تفوقوا عليهم في كثير من مجالات الحياة. 
۞۞۞۞۞۞۞

7- عدم الاعتراف بالخطأ

كم منا من عاقب أبناً له خطأ وهو له ظالم. 
كم منا من اتهم أحد أبنائه وهو برئ. 
كم منا من ضرب أحد أبنائه بسبب وشاية كاذبة.
ومع أن الوالد يعرف بعد ذلك أنه أخطأ في حق ابنه، إلا أنه لا يعتذر منه، ولا يعترف بخطئه، وكأن هذا الابن لا حقوق له ولا كرامة ولا شعور. 
وهذا بلا شك سلوك خاطئ، وهو يولد في نفوس الأبناء صفات سيئة كالكبر والغرور والتعصب للرأي وإن كان فاسداً، والتمادي في الخطأ وغير ذلك. 
ولو أن الوالد قام بالاعتذار لابنه، لكان ذلك تصرفاً سليماً، بحيث يحول المربي خطأه إلى سلوك إيجابي يؤثر في نفوس الأبناء، فيدعوهم إلى ما يقتضيه هذا السلوك من التواضع للحق، والاعتراف بالخطأ، والتسامح في معاملة الآخرين. 
۞۞۞۞۞۞۞

8- الفردية في اتخاذ القرارات

لا شك أن الأب هو الراعي وهو القيم وهو المسئول عن أهل بيته، ولكن ليس معنى ذلك أن ينفرد باتخاذ كافة القرارات دون الرجوع إلى من في البيت، فإن ذلك يتسبب في سيادة روح التسلط بين الأبناء، بحيث يتسلط الكبار على الصغار، فيقومون بقمعهم كما يفعل والدهم معهم في رأيهم. 
وأذكر هنا ذلك الرجل الذي كان يأخذ زوجته وأولاده بسيارته في يوم الإجازة، وهم لا يعلمون إلى أين سيذهب بهم، وإذا سأل أحد عن ذلك عاقب الجميع بالرجوع إلى البيت وحرمانهم من النزهة التي ينتظرونها بشوقٍ ولهفة، مع أنهم لا يعلمون طبيعتها. 
أليس الأفضل أن يجمع هذا الأب أبناءه، ويشاورهم في الجهة التي يحبون الذهاب إليها؟ ماذا سيخسر لو فعل ذلك؟ .. ولكنها النفوس التي لا ترى نفسها إلا بكبت الآخرين وإلغائهم، والسيطرة عليهم. 
۞۞۞۞۞۞۞ 

9- عدم احترام الخصوصيات

ينبغي أن نعلم أطفالنا احترام الخصوصيات، حتى يكونوا دقيقين في الفصل بين فضاءاتهم الشخصية والفضاءات التي يعيش فيها الآخرون. 
ولقد وجهنا القرآن الكريم إلى أن نعلم أطفالنا ومن يكون في خدمتنا في البيوت ضرورة أن يستأذنوا قبل الدخول علينا في أوقات تعد أوقات راحةٍ، وأوقاتاً خاصة لا يكون المرء فيها مستعداً لاستقبال أحد. 
ولذا فإن على الأبوين – ولا سيما الأم – أن يعلما الطفل جوهر خصوصيات الآخرين وحدودها، فلا يدخل على أحد في مكان خاص دون استئذان، ولا يفتح شيئا مغلقاً ليس له، سواء أكان باب بيت، أو ثلاجة، أو كتاباً، أو دفتراً، أو صندوقاً، مهما طالت إقامته في ذلك المكان. 
إن بعض البيوت انعدم فيها احترام الخصوصيات، فنشأ الأبناء فيها على الفوضى والهمجية والعدوان على حقوق الآخرين. 
إن على الآباء أن يحترموا أولاً خصوصيات أبنائهم، فيطرقوا الباب قبل الدخول، ويكتموا أسرارهم، ولا يعيروهم بذنب، بل يستروا عليهم، ويقيلوا عثراتهم، فإن فعلوا ذلك، نجحوا في تعليم أولادهم احترام خصوصيات الآخرين. 
۞۞۞۞۞۞۞

10- الإقصاء

إن بعض الآباء يرى من العيب أن يجلس الطفل في مجالس الكبار، فيعمل على طرده وتعنيفه وإقصائه، إذا هو فكر في اقتحام مجالس الكبار. 
ولا شك أن الطفل ينبغي أن يؤذن له أحياناً في الجلوس مع الكبار، للأخذ عنهم، والتعلم والاستفادة من خبراتهم. وقد روى البخاري ومسلم أن رسول الله أتي بشراب، فشرب منه، وعن يمينه غلام أصغر القوم، وعن يساره الأشياخ، فقال للغلام: «أتأذن لي أن أعطي هؤلاء»؟ ! فقال الغلام: والله يا رسول الله لا أوثر بنصيبي منك أحداً، فتله رسول الله في يده. 
فما أعظمه من هاد ومرب ومعلم، تتعلم منه البشرية على جميع مستوياتها في كل زمان ومكان، فالمنهج الإسلامي الرباني لا يمنع الأطفال الصغار من مخالطة الكبار ومجالستهم في مجالسهم ومساجدهم وتجمعاتهم وأسفارهم وأنديتهم، وذلك حتى يكتسبوا الخبرات، ويشاركوا في الأعمال، ويتدربوا على المسؤوليات. 
وعزل الصغار عن الاتصال بالكبار هو منهج سلبي وغير عملي، ويدع الصغار بعضهم لبعض، فلا يتعلمون إلا السفاسف من الأمور، وتستهويهم الشياطين، فيتعلمون الشرور، بدلاً من مخالطة الكبار وتعلم معالي الأمور.

تعليقات